تتبع قصة حزب الله....
في اليوم الثالث .. وقد تجاوزت الساعة العاشرة ليلاً وقد جلست أنا في زاوية الغرفة أنتظر الفرج أنظر إليه من حين لآخر وبعد أن غفت عيني قليلاً وكنت لم أذق النوم منذ ثلاثة أيام .. أفقت فجأة على صرخة قوية صدرت منه .
- جاؤوا ، جاؤوا ، جاؤوا …
إحتملت أنهم اليهود فتناولت بندقيتي وزحفت صوب الباب ، وعند ذلك شعرت بحالة جديدة تنتابني وأخذ جسمي يرتعش ، فاقتربت منه وقلت له :من هم الذين جاؤوا ؟ فأجابني : إنهم الأئمة عليهم السلام !! إعتقدت أنه يهلوس فأردت العودة إلى مكاني ولكنه قال لي : إنتظر إنتظر .. فوجئت بجوابه ، إذن هو واعٍ ! فهذا الكلام لم أسمعه من منذ ثلاثة أيام ..
وجلست إلى جانبه ووضعت يدي على يده فإذا هو يشد عليها بقوة لم أعهدها فيه بعد إصابته .. وهنا كررت عليه عبارة : من هم ؟ فقال : الإمام المهدي والإمام الحسين يركب كل منهما على حصان أبيض .. " إقتربوا .. إقتربوا ..إقتربوا " ..
قلت : إلى أين ؟ أين هم ؟ .
قال : وصلوا الى الشهيد ،( ……) حضنوه ، قبّله الإمام الحسين ، وضع خدّه على خدّه .. تركوه .. وجاؤوا الى الشهيد ( …… ) وحضنوه ، قبّله الإمام الحسين ، وضع خدّه على خدّه ، وتركوه ..
وهنا فوجئت بكلامه ، إنه لا يهلوس ، فهو لا يعرف أسماء الشهداء ولا أسماء آبائهم بل بعضهم ليس من منطقته أبداً وقد تعرّف عليهم في الليلة التي التقينا فيها ولم يعرف أسماءهم الحقيقية ونحن لا نصرّح بأسمائنا الحقيقية ، حتى إذا كنا نعرف بعضنا فإننا لا نتخاطب إلا بالأسماء الرمزية .. وهذا يحرص عليه جميع رجال المقاومة ولا يتهاونون فيه حتى أن بعضهم يطغى إسمه الجهادي على اسمه الحقيقي ، فيكاد الإسم الحقيقي ينسى ..
واستمر يذكر أسماء الشهداء واحداً واحداً ، وكيف أن الإمام المهدي والإمام الحسين عليهما السلام يتوجهان الى الشهيد فيحتضنانه ثم يتركانه ويذهبان الى الآخر . حتى أتى على ذكر جميع الشهداء .. وتأكدت أنه لا يهلوس فقد سمى شهداء لا يعرفهم من مجموعتنا إلا أنا ، وهو لا يعرفهم أبداً ..
وعندما انتهى من تعدادهم .. قال : لقد جاؤوا إليّ ليأخذوني .. وخَفَتَ صوته .. ولكنه فاجأني مرة أخرى ، فقد رفع ظهره عن الأرض وقعد وجعل ينظر باتجاه الباب وأخذ يردد : يا زينب جينا نعزّيكِ يا زينب بالشهيد أخيكِ يا زينب مظلوم حسينَ جاؤوا جاؤوا جاؤوا ..
نظرت الى الباب فلم أرَ أحداً واخذ يردد ، فازدادت حيرتي .. ولكنني أقسم بالله العظيم أنني أحسستُ بشيء لم أره ولم ينقصني سوى رؤيته بعيني .. وهنا قال :
-وصلوا ونزلوا عن أحصنتهم ، جاؤوا إليّ ( وصرخ بأعلى صوته ) ها قد جاء الإمام الحسين عليه السلام وهو يقتر مني .
كنت أنظر في وجهه وهو يتكلم ، فكنت أرى في صفحة وجهه علامات مَنْ يخاطب أحداً أمامه ويتكلم معه فكأنني كنت أسمع حواراً ولكنني كنت لا أسمع الكلام إلا من طرفٍ واحد وهو الشهيد ( …… ) ، وقد كنت متأكداً أنهم أمامه هنا في الغرفة ، وذلك بسبب نظرته المحددة الى مكان محدد أمامنا ..
وهنا استعجلت وطلبت منه أن يطلب منهم الشفاعة لي عند الله تعالى وأن يغفر لي الله تعالى .. فأجابني : إنتظر ، إنتظر .. وبدأ يتكلم معهم ، أسمع أنا سؤاله وجوابه ولا أسمع ما يقولون .
طلب الشفاعة له ولوالديه ولإخوته ولجميع الجاهدين في المقاومة الإسلامية .. فأخذت أكرر عليه أن يطلب الشفاعة لي أيضاً وبخصوصي فقال لهم : إنه يطلب الشفاعة منكم .. وسكت برهة ثم قال : يقولون لقد شفعنا لفلان ابن فلانة .. وأنا أقسم أني لم أقل له إسمي أبداً ولا حتى اسم والدتي ..وقد فاجأني بذكر اسم والدتي مع اسمي .. وقطعت حينئذ أنهم هنا أمامي .. وأخذ يذكر قضايا كاملة ويحكيها لي عنهم .
يخاطبونه فينصت قليلاً ثم يتكلم معي ليفهمني ما يقولون .. ثم ينصت ثانية وهكذا . قال : يقولون لي :
- إن هذا الجبل ، ( جبل صافي ) ، لن ينكسر أبداً ،لأننا نحن أئمة أهل البيت معكم دائماً .. وخصوصاً الإمام المهدي .
- سوف يمر الإخوة في محنة قوية ولكن النصر سيكون حليفهم بإذن الله بعدها ، وسوف يعيشون بعزة وكرامة .
- يقولون لي ( إن هناك شخصاً في منطقة البقاع إسمه ( ….. ) ( … ) وكل الإخوة يحترمونه ) .. ويقولون لك ( قل للإخوة المؤولين إن هذا الشخص عميل إسرائيلي وعليك أن تتصل ب( ….. ) فقط وتشرح له حال هذا العميل وهو يتدبّر الأمر ولا تخبر غيره بذلك ) ويقولون لك ( إن هناك شخصين بهذا الإسم ولكن العميل يتصف بكذا وكذا … وذكر أوصافاً خاصة بالعميل ) .
وقال : أرسل الى أهلي وخصوصاً والدتي بأن الإمام الحسين والإمام المهدي قد شفعا لهم وأن الله تعالى قد غفر لهم ..
هنا فوجئت بطلبه هذا .. إذ كيف أرسل لهم وأنا هنا في مثل هذه الحالة ، فقلت له :
وأنا ؟ ماذا أفعل ؟ والى أين أذهب ؟
فسألهم ، وأنصت لهم قليلاً ثم قال لي :
يقولون لك إرجع من حيث أتيت ! ..
لكنّ لا أعرف الطريق ولا أقدر على السير …
يقولون لك إرجع من حيث أتيت .. سوف تضيع قليلاً وتضل عن الطريق ولكنك سوف تصل بإذن الله تعالى … تعهَّدْ لي بأن تخبر قصتنا هذه كلَّ من يطلبها منك …
ما إن أتمّ كلامه حتى أغمض عينيه فجأةً .. وتلا الشهادتين .. وألقى بظهره على الأرض وفارق الحياة .. فأصغيت الى نَفَسِهِ والى دقّات قلبه .. لقد استشهد وهمدت حركته تماماً والتحق بالرفيق الأعلى ..
كنت أعلم أني بحضرة الإمام الحسين والإمام الحجة سلام الله عليهما .. ولكن إتصالي بهما قد انقطع في تلك للحظة .. إلا أنني صمّمت على تنفيذ ما طلباه مني فوضعت بندقيتي على كتفي .. و .. نهضت ..
نعم ! نهضت واقفاً .. وأنا أنظر إلى نفسي واقفاً مذهولاً .. لقد مرّت ثلاثة أيام وأنا لا أتنقّل إلا زحفاً من شدّة الألم في ساقيّ بسبب الشظايا المسمارية التي قطّعت أعصابها بحيث أني لم أكن قادراً على الاعتماد عليهما أبداً ..
لكنني الآن وقفت .. وشعرت فيهما بقوة غريبة ..
ولم أتردد في مغادرة الغرفة .. بعد أن ألقيت على الشهيد النظرة الأخيرة .. كان الضباب خارج الغرفة يغطي الفضاء بحيث أن الرؤية إلى ما بعد مترين كانت مستعصية تماماً ، وكان المطر يهطل .. ولكنني منت متيقناً بأني سوف أصل رغم الضباب والمطر والظلام .. لقد وعدني أهل البيت عليهم السلام بذلك .
ما خاب من تمسك بكم .. وأمِنَ من لجأ إليكم .
وكان زمان مغادرتي الغرفة يوم الأربعاء ليلاً..
وأخذت أمشي وأحثّ السير في الإتجاه الذي أتينا منه وأعتقد أنه هو الإتجاه الصحيح .
رغم الظلام والمطر والضباب .. وفجأة لمحت جسماً غريباً يمشي أمامي ولم أستطع أن أتبيّنه بسبب الظلام والضباب ولكنه كان يسير أمامي سيراً حثيثاً وأنا أسير خلفه وأحتذي به .. ولم أخف ، فقد ذهب الخوف عني كلياً ، لأنني كنت واثقاً بأهل البيت عليهم السلام ومعتمداً عليهم ، واستمر هذا السير طوال الليل .. وما ان انجلى الصباح قليلاً وانقشع الضباب حتى تأملت أمامي لكي أتبين هذا الذي كان يسير أمامي كل الليل فوجدته ضبعاً كبيراً جداً .. وكأنه كان يرشدني الى الطريق الصحيح ..ثم اختفى بعد قليل ولم أعد أراه ..
فاستمريت أنا في المسير طوال النهار حتى جنّ عليّ الليل فوصلت الى تلة عليها بيت صغير .. فأخذت حذري ولكن بندقيتي إحتكت بصخرة فأحدثت ضجيجاً فلزمت مكاني وراقبت البيت فإذا برجل يخرج منه وقد حمل فانوساً وبندقية صيد ثم أخذ يفتش حول البيت فلم يجد شيئاً فعاد الى بيته ، وأنا مختيىء في مكاني بحيث لا يراني ، فنهضت وأكملت طريقي حتى وصلت الى نهر كبير وهنا أدركت أني أضعت الطريق ووقفت أراقبه وأنا محتار في كيفية إجتيازه ..
ولكنني أذكر أنني اجتزته .. كيف ؟ لا أدري ، لقد كانت هناك قوة غير طبيعية تساعدني على السير الحثيث وصعود المرتفعات وهبوط المنزلقات الخطرة وعبور الماء .. وكنت كأنني مسيّر فقد السيطرة على نفسه .. وفجأة بعد خروجي من النهر وقعت في جبّ من شوك العليق .. وكان عميقاً وكثيفاً فبذلت جهداً جهيداً في التخلص منه والخروج ..
ثم أخذت أصعد الى جبل وفيما أنا أصعد فوجئت بضوء ساطع في وجهي فعلمت أنه موقع من مواقع الأعداء فتراجعت ومكثت منتظراً بزوغ الصبح حتى استمر في سيري .
أدركني الصباح وأنا أستريح الى سفح جبل وقد تورّمت قدماي من كثرة المسير فلم تعد تقوى على السير أضف إلى آلام الجراح والى الثلج الذي أصبح جليداً فلم يعد السير عليهم ممكناً .. وأصبحت كل حركة تعني الإنزلاق على الجليد ولكني كنت أعتمد على بندقيتي فأضربها في الأرض حتى أثبت مكاني وأمنع نفسي من الإنزلاق ..
ورغم كل شيء حثثت السير حتى وصلت الى بيت فرأيت ماشية كثيرة أمامه …
وعندما وصلت إليها خرج صاحبها من البيت وأخذ ينظر إليّ مرعوباً فخاطبته حتى يأنس بوجودي ولكنه لم يتكلم بل وقف يحدّق فيّ خائفاً فقلت له : هل يوجد عندك طعام ؟فلم يتكلم بل أخرج من كيس معه رغيفاً فيه بطاطا مطبوخة باللحم فأخذت آكلها وهو ينظر، إليّ وعيناه لا تفارقني أبداً ..
وما أن فرغت من أكلها حتى أحسست بألم لا يطاق في معدتي وأمعائي مما دفعني الى الصراخ من شدة الألم وارتميت أرضاً وأنا أكاد أتقطع من شدة الوجع في بطني .. ولم أتخلّص من هذا الألم حتى تقيأت كل ما أكلته وعادت إليّ حالتي الطبيعية ، فشربت قليلاً من الماء ثم طلبت منه أن يعيرني ****ه لعلّه يعينني على السير فأرتاح من السير على قدميّ الجريحتين ..
فناولني لجام ****ه بدون أن يتكلم أيضاً .. ولكنني لم أوفّق في ركوبه فقد أبى وأسقطني عن ظهره وسبّب لي آلاماً أخرى إضافية .. فتركته وفارقت الرجل وقطيعه وتابعت سيري ومضت ساعات على السير وأنا منهك خائر القوى حتى وصلت الى طريق معبّدة فأخذت أحثّ السير الى أن ظهرت بيوت .
وما أن وصلت إليها حتى أبصرت شخصين على شرفة منزل فيها يتحادثان ثم رأيت أحدهما يشير إليّ .. وهنا انهارت قواي وسقط على الأرض .. وكأن تلك القوة المستعارة ببركة أهل البيت عليهم السلام والتي حملتني وعبرت بي الجبال والوديان من يوم الأربعاء مساءً إلى يوم الجمعة عصراً قد نفدت .. فكأنها مؤقتة كي تحملني إلى هنا فقط .
سقطت أرضاً من شدة الألم في ساقيّ الجريحتين .. وعادت آلامي كما كنت حين أصابتني الميركافا .. فأغمي عليّ ولم أحسّ بشيء مما يجري حولي ..
وفتحت عيني في المستشفى فوجدت شخصاً واقفاً قرب سريري ينظر إليّ .. سألته ك من أنت ؟ وعندما أجابني باسمه تذكرت كلّ ما جرى لي بالتفصيل وتذكرت وصية الشهيد وكلام الإمام الحسين والإمام المهدي عليهما السلام خصوصاً فيما يتعلّق بالعميل الإسرائيلي فإن هذا الشخص الذي يقف فوق رأسي الآن هو نفس الشخص الذي طلب مني الشهيد بأمر من الإمام الحسين والإمام المهدي عليهما السلام أن أخبره بموضوع العميل وحَصَرا الإخبار به دون غيره ..
وفعلاً فأول كلمة قلتها له : يقول لك الشهيد إن فلان عميل لإسرائيل .. وهذا بأمر من الإمام الحسين وصاحب الزمان عليهم السلام .. فدهش لهذا المعلومات وطلب مني أن ألتزم الصمت ولا أخبر أحداً بذلك ..
اعتقال هذا العميل بعد ذلك واعترف بجريمته ولزمت أنا الصمت سنوات طويلة حتى كتابة هذه الكلمات ..
وقد تم ولكنني وفاءً لتعهدي الذي قطعته للشهيد بأن أخبر كلّ من يسألني بقصة لقائه بالإمام الحسين وصاحب الزمان فقد دوّنت هذه القصة ، قصّة من قصص رجال المقاومة الإسلامية الأحرار ، أحرار هذه الأمّة وسبب عزّتها وصون كرامتها .